فصل: تفسير الآية رقم (24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ}
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وراودته التي هو في بيتها} قال: هي امرأة العزيز.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه} قال: حين بلغ مبلغ الرجال.
وأخرج عبد الرزاق والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه، عن أبي وائل رضي الله عنه قال: قرأها عبد الله: {هيت لك} بفتح الهاء والتاء، فقلنا له: إن ناسًا يقرؤونها: {هيت لك} فقال: دعوني، فإني أقرأ كما اقرئت أحب إلي.
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قرأ: {هيت لك} بنصب الهاء والتاء ولا يهمز.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هيت لك} يعني هلم لك. وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يقرأ كما يقرأ عبد الله: {هيت لك} وقال: هلم لك، تدعوه إلى نفسها.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {هيت لك} قال: هلم لك، وهي بالحورانية. وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه: {هيت لك} قال: هلم لك وهي بالقبطية هنا. وأخرج ابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {هيت لك} قال: تعال. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {هيت لك} قال: ألقت نفسها واستقلت له، ودعته إلى نفسها، وهي لغة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {هيت لك} قال: ألقت نفسها واستلقت له، لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ عن يحيى بن وثاب أنه قرأها: {هيت لك} يعني بكسر الهاء وضم التاء يعني تهيأت لك.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ: {هئت لك} مكسورة الهاء مضمومة التاء مهموزة. قال: تهيأت لك.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنه، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {هيت لك} قال: تهيأت لك. قم فاقض حاجتك. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت أحيحة الأنصاري وهو يقول:
به أحمى المصاب إذا دعال ** إذا ما قيل للأبطال هيتا

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي وائل رضي الله عنه، أنه كان يقرأ: {هئت لك} رفع، أي تهيأت لك.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة عن زر بن حبيش رضي الله عنه، أنه كان يقرأ: {هيت لك} نصبًا، أي هلم لك. وقال أبو عبيد كذلك. كان الكسائي يحكيها قال: هي لغة لأهل نجد، وقعت إلى الحجاز معناها: تعال.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن عبد الله بن عامر اليحصبي رضي الله عنه، أنه قرأ: {هيت لك} بكسر الهاء وفتح التاء.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إنه ربي} قال: سيدي، يعني زوج المرأة.
وأخرج ابن المنذر عن أبي بكر بن عياش رضي الله عنه في قوله: {إنه ربي} قال: يعني زوجها. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}
قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ}: أي: طالَبَتْه برفقٍ ولين قولٍ، والمُراوَدَةُ المصدر، والرِّيادة: طَلَبُ النِّكاح، ومشى رُوَيْدًا، أي: ترفَّق في مِشْيتِه، والرَّوْدُ، الرِّفْقُ في الأمور والتأنِّي فيها، ورادَتِ المرأةُ في مَشْيها تَرُوْدُ رَوَدَانًا من ذلك، والمِرْوَدُ هذه الآلةُ منه، والإرادةُ منقولةٌ مِنْ راد يرود إذا سعى في طلب حاجة، وقد تقدَّم ذلك في البقرة، وتعدى هنا بعن لأنه ضُمِّن معنى خادَعَتْ، أي: خادَعَتْه عن نفسه، والمفاعلةُ هنا من الواحد نحو: داوَيْتُ المريض، ويحتمل أن تكون على بابها، فإنَّ كلًا منهما كان يطلبُ مِنْ صاحبه شيئًا برفق، هي تطلُب منه الفعلَ وهو يطلبُ منها التركَ. والتشديد في: {غَلَّقَتْ} للتكثير لتعدُّد المجال.
قوله: {هَيْتَ لَكَ} اختلف أهلُ النحوِ في هذه اللفظة: هل هي عربيةٌ أم معرَّبةٌ، فقيل: معربةٌ من القبطية بمعنى هلمَّ لك، قاله السدي. وقيل: من السريانية، قاله ابن عباس والحسن. وقيل: هي من العبرانية وأصلها هَيْتَلَخ، أي: تعالَه فأعربه القرآن، قاله أبو زيد الأنصاري. وقيل: هل لغة حَوْرانية وقعت إلى أهل الحجاز فتكلَّموا بها ومعناها تعال، قاله الكسائي والفراء، وهو منقولٌ عن عكرمة. والجمهور على أنها عربية، قال مجاهد: هي كلمة حَثٍّ وإقبال، ثم هي في بعض اللغات تَتَعَيَّن فعليَّتُها، وفي بعضها اسميتُها، وفي بعضها يجوز الأمران، وستعرف ذلك من القراءات المذكورة فيها: فقرأ نافع وابن ذكوان: {هِيْتَ} بكسر الهاء وياء ساكنة وتاء مفتوحة. وقرأ: {هَيْتُ} بفتح الهاء وياءٍ ساكنةٍ وتاء مضمومة ابنُ كثير. وقرأ: {هِئْتَ} بكسر الهاء وهمزةٍ ساكنة وتاءٍ مفتوحةٍ أو مضمومةٍ هشامٌ. وقرأ: {هَيْتَ} بفتح الهاء وياءٍ ساكنةٍ وتاءٍ مفتوحةٍ الباقون، فهذه خمس قراءات في السبع.
وقرأ ابن عباس وأبو الأسود والحسن وابن محيصن بفتح الهاء وياء ساكنة وتاء مكسورة. وحكى النحاس أنه قرئ بكسر الهاء والتاء بينهما ياء ساكنة. وقرأ ابن عباس أيضًا: {هُيِيْتُ} بضم الهاء وكسر الياء بعدها ياء ساكنة ثم تاء مضمومة بزنة حُيِيْتُ. وقرأ زيد بن علي وابن أبي إسحاق بكسر الهاء وياء ساكنة وتاء مضمومة. فهذه أربع في الشاذ فصارت تسع قراءات. فيتعيَّن كونُها اسمَ فعل في غير قراءة ابن عباس: {هُيِيْتُ} بزنة حُيِيْتُ. وفي غيرِ قراءة كسر الهاء سواءً كان ذلك بالياء أم بالهمز: فَمَنْ فَتَحَ التاء بناها على الفتح تخفيفًا نحو: أيْنَ وكَيْفَ، ومَنْ ضَمَّها كابن كثير فتشبيهًا ب حيث، ومَنْ كسر فعلى أصلِ التقاء الساكنين كجَيْرِ، وفَتْحُ الهاء وكَسْرُها لغتان.
ويَتَعَيَّنُ فعليَّتُها في قراءة ابن عباس {هُيِيْتُ} بزنة حُيِيْت فإنها فيها فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمفعول مسندٌ لضمير المتكلم مِنْ هَيَّأْتُ الشيءَ، ويحتمل الأمرين في قراءةِ مَنْ كسر الهاء وضمَّ التاء، فيحتملُ أن تكونَ فيه اسمَ فعلٍ بُنِيَتْ على الضمِّ كحَيْثُ، وأن تكونَ فعلًا مسندًا لضمير المتكلم مِنْ هاءَ الرجلُ يَهِيءُ كجاء يَجيء وله حينئذٍ معنيان، أحدهما: أن يكون بمعنى حَسُنَ هَيْئَةً.
والثاني: أن يكونَ بمعنى تهيَّأ، يُقال: هِئْتُ، أي: حَسُنَتْ هيئتي أو تهيَّأْتُ. وجوَّز أبو البقاء أن تكون: {هِئْتُ} هذه مِنْ: هاءَ يَهاء، كشاء يشاء.
وقد طعن جماعةٌ على قراءة هشام التي بالهمز وفتح التاء، فقال الفارسي: يشبه أن يكون الهمز وفَتْحُ التاء وَهْمًا من الراوي، لأنَّ الخطاب مِن المرأة ليوسف ولم يتهيَّأْ لها بدليل قوله: {وراوَدَتْه} و: {أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} [يوسف: 52] وتابعه على ذلك جماعة. وقال مكي بن أبي طالب: يجب أن يكون اللفظُ: {هِئْتِ لي} ولم يَقْرأ بذلك أحدٌ وأيضًا فإن المعنى على خلافِه لأنه لم يَزَلْ يَفِرُّ منها ويتباعد عنها، وهي تراوِدُه وتطلبه وتَقُدُّ قميصه، فكيف يُخْبر أنها تهيَّأ لها؟
وقد أجاب بعضهُم عن هذين الإِشكالين بأن المعنى: تهيَّأ لي أمرُك، لأنها لم تكنْ تقدِر على الخَلْوَة به في كل وقت، أو يكون المعنى: حَسُنَتْ هيئتك.
و{لك} متعلقٌ بمحذوف على سبيل البيان كأنها قالت: القول لك أو الخطاب لك، كهي في سقيًا لك ورعيًا لك. قلت: واللامُ متعلقةٌ بمحذوف على كل قراءة إلا قراءةً ثبت فيها كونُها فعلًا، فإنها حينئذٍ تتعلَّقُ بالفعل، إذ لا حاجةَ إلى تقديرِ شيءٍ آخرَ.
وقال أبو البقاء: والأشبهُ أن تكونَ الهمزةُ بدلًا من الياء، أو تكونَ لغةً في الكلمة التي هي اسم للفعل، وليست فعلًا لأن ذلك يوجب أن يكونَ الخطابُ ليوسف عليه السلام، وهو فاسدٌ لوجهين، أحدهما: أنه لم يتهيَّأ لها وإنما هي تهيَّأَتْ له.
والثاني: أنه قال لك، ولو أرادَ الخطابَ لكان هِئْتَ لي. قلت: قد تقدَّم جوابُه. وقوله: إن الهمزة بدلٌ من الياء هذا عكسُ لغة العرب إذ قد عَهِدْناهم يُبْدلون الهمزة الساكنة ياءً إذا انكسر ما قبلها نحو: بير وذيب، ولا يَقْبلون الياءَ المكسورَ ما قبلها همزةً نحو: مِيل ودِيك، وأيضًا فإن غيرَه جعل الياءَ الصريحة مع كسر الهاء كقراءة نافع وابن ذكوان محتملةً لأَنْ تكونَ بدلًا من الهمزة، قالوا: فيعود الكلام فيها كالكلام في قراءة هشام. واعلم أنَّ القراءةَ التي استشكلها الفارسي هي المشهورةُ عن هشام، وأمَّا ضمُّ التاءِ فغيرُ مشهورٍ عنه، وهذا قد أَتْقَنْتُه في شرح حِرْز الأماني.
قوله: {مَعَاذَ الله} منصوبٌ على المصدر بفعلٍ محذوف، أي: أعوذُ باللَّه مَعاذًا: يُقال: عاذ يَعُوذ عِياذًا وعِياذة ومَعاذًا وعَوْذًا، قال:
معاذَ الإِله أن تكونَ كظَبْيَةٍ ** ولا دُمْيَةٍ ولا عَقِيْلَةِ رَبْرَبِ

قوله: {إِنَّهُ} يجوز أن تكونَ الهاءُ ضميرُ الشأن وما بعده جملةٌ خبريةٌ له، ومرادُه بربه سيِّدُه، ويحتمل أن تكونَ الهاء ضمير الباري تعالى. و: {ربِّي} يحتمل أن يكونَ خبرَها، و: {أَحْسَنَ} جملةٌ حاليةٌ لازمة، وأن تكون مبتدأً، و: {أحسن} جملة خبرية له، والجملةُ خبرٌ ل: {إنَّ}. وقد أنكر جماعةٌ الأولَ، قال مجاهد والسدي وابن إسحاق. يبعد جدًا أن يُطْلِق نبيٌّ كريمٌ على مخلوقٍ أنه ربه، ولا بمعنى السيد لأنه ليس مملوكًا في الحقيقة.
وقرأ الجحدري وأبو الطفيل الغنوي: {مَثْوَيَّ} بقَلْبِ الألف ياءً وإدغامها كبُشْرَيّ وهُدَيّ.
و{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ} هذه الهاءُ ضمير الشأن ليس إلا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)}
لما غَلَّقَتْ عليه أبوابَ المسكنِ فَتَحَ الله عليه باب العصمة، فلم يُضِرْه ما أُغْلِقَ بعد إكرامه بما فُتِحَ.
وفي التفسير أنه حفظ حُرْمةَ الرجل الذي اشتراه، وهو العزيز.
وفي الحقيقة أشار بقوله: {إِنَّهُ رَبِى} إلى ربِّه الحقِّ تعالى: هو مولاي الحق تعالى، وهو الذي خلَّصني من الجُبِّ، وهو الذي جعل في قلب العزيز لي محلًا كبيرًا فأكرم مثواي فلا ينبغي أَنْ أُقْدِمَ على عصيانه- سبحانه- وقد غمرني بجميل إحسانه.
ويقال إن يوسف عليه السلام قال لها: إن العزيز أمرني أَنْ أنفعَه. {عَسَى أَن يَنفَعَنَا} فلا أَخُونُه في حُرْمَتِه بظهر الغيب.
ويقال لمَّا حفظ حُرْمة المخلوقِ بظهر الغيب أكرمه الحقُّ سبحانه بالإمداد بالعصمة في الحال ومَكَّنَه من مواصلتها في المآل على وجه الحَلاَل. اهـ.

.تفسير الآية رقم (24):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا الفعل لا يتم حسنه إلاّ إذا كان عند غلبة الهوى وترامي الشهوة كما هو شأن الرجولية، قال تعالى ردًا على من يتوهم ضد ذلك: {ولقد همت به} أي أوقعت الهم، وهو القصد الثابت والعزم الصادق المتعلق بمواقعته، ولا مانع لها من دين ولا عقل ولا عجز فاشتد طلبها: {وهمَّ بها} كما هو شأن الفحول عند توفر الأسباب: {لولا أن رءا} أي بعين قلبه: {برهان ربه} الذي آتاه إياه من الحكم والعلم، أي لهمّ بها، لكنه لما كان البرهان حاضرًا لديه حضور من يراه بالعين، لم يغطه وفور شهوة ولا غلبة هوى، فلم يهم أصلًا مع كونه في غاية الاستعداد لذلك لما آتاه الله من القوة مع كونه في سن الشباب، فلولا المراقبة لهمّ بها التوفر الدواعي غير أن نور الشهود محاها أصلًا، وهذا التقدير هو اللائق بمثل مقامه مع أنه هو الذي تدل عليه أساليب هذه الآيات من جعله من المخلصين والمحسنين المصروف عنهم السوء، وأن السجن أحب إليه من ذلك، مع قيام القاطع على كذب ما تضمنه قولها: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا} [يوسف: 25]- الآية، من مطلق الإرادة، ومع ما تحتم تقدير ما ذكر بعد: {لولا} في خصوص هذا التركيب من أساليب كلام العرب، فإنه يجب أن يكون المقدر بعد كل شرط من معنى ما دل عليه ما قبله، وهذا مثل قوله تعالى: {إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها} [القصص: 10] أي لأبدت به، وأما ما ورد عن السلف مما يعارض ذلك فلم يصح منه شيء عن أحد منهم مع أن الأقوال التي رويت عنهم إذا جمعت تناقضت فتكاذبت، ولا يساعد على شيء منها كلام العرب لأنهم قدروا جواب لولا المحذوف بما لا دليل عليه من سابق الكلام ولا لاحقه- نبه على ذلك الإمام أبو حيان، وسبقه إلى ذلك الإمام الرازي وقال: إن هذا قول المحققين من المفسرين، وأشبع في إقامة الدلائل على هذا بما يطرب الأسماع، وقدم ما يدل على جواب الشرط ليكون أول ما يقرع السمع ما يدل على أنه كان في غاية القدرة على الفعل، وأنه ما منعه منه إلاّ العلم بالله، فكأنه قيل: إن هذا التثبيت عظيم، فقيل إشارة إلى أنه لازم له كما هو شأن العصمة: {كذلك} أي مثل ذلك التثبيت نثبته في كل أمر: {لنصرف عنه السوء} أي الهمّ بالزنا وغيره: {والفحشاء} أي الزنا وغيره، فكأنه قيل: لِمَ فعل به هذا؟ فقيل: {إنه من عبادنا} أي الذين عظمناهم بما لنا من العظمة: {المخلصين} أي هو في عداد الذين هم خير صرف، لا يخالطهم غش، ومن ذريتهم أيضًا، وهذا مع قول إبليس: {لأغوينهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين} [ص: 83] شهادة من إبليس أن يوسف عليه الصلاة والسلام بريء من الهمّ في هذه الواقعة؛ قال الإمام: فمن نسبه إلى الهمّ إن كان من أتباع دين الله فليقبل شهادة الله، وإن كان من أتباع إبليس وجنوده فليقبل شهادة إبليس بطهارته، قال: ولعلهم يقولون: كنا تلامذة إبليس ثم زدنا عليه- كما قيل:
وكنت فتى من جند إبليس فارتقى ** من الأمر حتى صار إبليس من جندي

فلو مات قبلي كنت أحسن بعده ** طراييق فسق ليس يحسنها بعدي

. اهـ.